الإعداد : عدنان بن درحمن

P44840

ثمرة الخلاف عند الأصوليين فى الدلالات

كيفية تعلق الأحكام بالخطاب

اهتم علماء أصول الفقه بالمباحث الدلالية لأهميتها لاستنتاج الأحكام الشرعية من النصوص الدينية. لذا نجدهم في كتبهم يعالجون مسائل العلاقة بين اللفظ والمعنى، والحقيقة والمجاز، والاشتراك اللفظي والترادف، والعام والخاص وغير ذلك. كذلك نجدهم يستعرضون أنواع الدلالات: اللغوية وغير اللغوية.


بيان تعلق الأحكام بالخطاب وكونه دالا عليها فمن أربعة وجوه : من حيث العبارة ، والإشارة ، والإقتضاء ، والدلالة ( أى دلالة الخطاب أو مفهوم المخالفة ) – عند عامة أهل الإصول . وبعضهم نقص عن هذه الأربعة وبعضهم زاد عليها ( محمد زكى : 1989م : 127 ) .

قال التفتازانى فى التلويح على عبيد الله بن مسعود ( التوضيح ، 1: 248 : قوله : التقسيم الرابع : فى كيفية دلالة اللفظ على المعنى وقد حصروها فى : عبارة النص وإشارته ودلالته وإقتضائه ووجه ضبطه .


 


 


 


 


 

إصطلاح الحنفية فى الدلالات :

وقسموا دلالة اللفظ إلى أبعة الأقسام :

  1. عبارة النص وهو اللفظ ومعناها دلالة اللفظ على المعنى مقصودا أصليا أو غير أصلى .

    قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ودلت هذه الآية على قصر العدد ( سيق له اللفظ ) وإباحة النكاح ( لم يسق له ) .

2- إشارة النص وهى دلالته على مالم يقصد له اللفظ أصلا ، وهذا المعنى يتفاوت الناس فى فهمه

لأنه يحتاج إلى تأمل .

قوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف )

عبارة النص وهو أن نفقة الوالدات المرضعات إذا كن مطلقات على الأب

إشارة النص وهو أن الولد مختص النسب بالأب لا بالأم و إنفراد الوالد بنفقته

3- دلالة النص وهى دلالته على ثبوت حكم ما ذكر لما سكت عنه لفهم المناط بمجرد فهم اللغة

وذلك ما يسمى فى اصطلاح آخر بالقياسى الجلى .

قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما )

عبارة النص وهى النهى عن التأفف ومناط هذا النهى يفهم بمجرد فهم اللغة وهو الأذى فيدل على

النهى عن الضرب .

اختلف المشايخ فى دلالة النص :

فقال بعضهم : إن دلالة النص والقياس سواء لان حد القياس ليس إلا إثبات مثل حكم المنصوص عليه ، فى غيره ، بمثل المعنى الذى تعلق به الحكم فى الأصل . قال الله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) الإسراء : 23 ، فظاهر النص تحريم التأفيف وغير تحريم الضرب والشتم ، وعلة التحريم وهى الأبوة والمعنى الموجب إذا كان خفبا يسمى ( قياسا ) وإذا كان جليا يسمى دليلا ، أما فى الحالين ( الضرب والشتم ) فليس إثبات الحكم بعين النص مضافا إليه ، فيكون حد الدلالة النص هو القياس الجلى .

وقال القاضى الإمام أبو زيد رحمه الله تعالى ومن تابعه : أن دلالة النص ما ثبت بمعنى النص ، فى غير المنصوص عليه ، معنى ظاهرا يعرف بسماع اللفظ بغير تأمل ، ونظيره حرمة التأفيف : إن كل عربى سمع قال الله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) الإسراء : 23 ، عرف عند السماع من غير تأمل حرمة الضرب وقتله ، فيكون تحريم الضرب ثابتا بدلالة النص ، وحرمة التأفيف ثبتت بعين النص بخلاف الحكم الثابت بالقياس فإنه حكم ثبت بمعنى النص أيضا لكن بواسطة الإجتهاد .

4- اقتضاء النص وهو دلالة اللفظ على مسكوت عنه يتوقف صدق الكلام عليه .

قوله عليه الصلاة والسلام : ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )

فيلزم لصدق الكلام مقدار محذوف هو كلمة حكم فيكون المعنى رفع عن أمتى حكم الخطأ

والنسيان وما استكرهوا عليه .


 


 


 


 


 


 

إصطلاح الشافعية فى الدلالات :

وقسموا الدلالة على قسمين :

1- دلالة المنطوق وهى دلالة اللفظ فى محل النطق على حكم المذكور نحو دلالة قوله تعالى : (

وربائكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن )

تحريم نكاح الربيبة التى فى حجر الرجل من زوجته التى دخل بها . وينقسم المنطوق إلى صريح

وغير صريح .

وهي أقسام:

(أ) دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على تمام معناه، كدلالة البيت على كل ما يتألف منه، فلو قال "بعتك هذا البيت" فإن المشتري يمتلك البيت كله بجدرانه وسقفه ونوافذه وأرضه. ومن أمثلتها من النصوص قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة:257]، حيث دلت العبارة بمنطوقها على تحليل البيع وتحريم الربا.

(ب) دلالة التضمن: هي دلالة اللفظ على جزء معناه، كدلالة البيت على السقف، أو على الجدار أو على الأرض. فلو قال "بعتك هذا البيت" فإنه قد باعه أيضا الأبواب والنوافذ والسقف والجدران، ولا يستطيع البائع أن يرفض تسليم أي منها؛ لأنها داخلة تحت لفظ البيت لأنها أجزاؤه. ومن أمثلة ذلك من النصوص قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة:7]. فيدخل ضمن معنى (وجه) الجبهة والحاجبان والعينان، والخدان والأنف والشفتان والذقن واللحيان، والفم.

(جـ) دلالة الالتزام: هي دلالة اللفط على لازم خارج عن معناه، مثل دلالة (سقف) على الجدار، لأن الجدار لازم للسقف لأنه لا يقوم إلا عليه.

وفي النصوص يكون اللازم:

(1) دلالة اقتضاء، وهي ما توقف عليه صحة الكلام لغة أو شرعا في مثل قوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184] فوجب تقدير لفظ (فأفطر) بعد (سفر) لتوقف صحة الكلام على تقدير ذلك.

(2) دلالة إشارة، وهي دلالة اللفظ على حكم غير مقصود بالنص، ولكنه لازم للحكم الذي سيق الكلام له، في مثل قوله تعالى: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233]؛ فالآية سيقت أصلا لتبين بعبارتها أن نفقة الأم واجبة على الأب، ولكنها تدل بإشارتها على أن نسب الولد لأبيه دون أمه؛ لأن في عبارة (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) قد أضيف الولد إلى المولود له (الأب) بحرف الجر اللام التي هي للاختصاص والذي من أنواعه الاختصاص بالنسب، ومثل قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف:15]، فالآية سيقت أصلا لبيان المنة للوالدين على الولد لما يلحق أمه من مشقة الحمل والإرضاع، ودلت بإشارتها على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه قد ثبت في آية أخرى أن مدة الفصال حولين (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان:14] فإذا أسقطنا مدة الفصال وهي 24 شهرا من 30 شهرا تبقى ستة أشهر هي أقل مدة الحمل.


 

2- دلالة المفهوم وهى دلالة اللفظ لا فى محل النطق على ثبوت حكم ما ذكر لما سكت عنه أو على نفى الحكم عنه .

وهي تنقسم إلى:

(أ) مفهوم الموافقة: وهي دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق للمسكوت عنه لاشتراكهما في معنى يُدرك بمجرد معرفة اللغة، وهي نوعان:

(1) فحوى الخطاب: وهو إذا كان المسكوت عنه أقوى في الحكم من المنطوق به، في مثل قوله تعالى في شأن الوالدين: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا
أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) [الإسراء:24]، ففحوى الخطاب هنا هو النهي عن الإيذاء بالضرب أو الشتم أو السخرية، وهذه الأمور أقوى في التحريم من كلمة التضجر (أف). وكذلك قوله تعالى في شأن بيان المحرمات من النساء (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ
الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) [النساء:23]، فالنص يدل على حرمة الزواج ممن ذكرن لعلة النسب القوي، ويدل فحواه على تحريم أخريات لم يُذكرن لأنهن أقوى في النسب ممن ذُكرن؛ فيحرم الزواج من الجدات لأنه ذكر من هن أقل منهن كالخالات والعمات، وكذلك يدل بفحواه على تحريم الزواج من بنت الابن وبنت البنت لأنه حرم من هن أقل منهن في علة الحكم وهن بنات الأخ وبنات الأخت.

(2) لحن الخطاب: وهو إذا كان المسكوت عنه مساويا في الحكم للمنطوق به، في مثل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، الذي يفيد أيضا حرمة إحراق أموال اليتيم أو إتلافها أو تبذيرها عليه أو على غيره، وفي مثل قوله تعالى: (وَمَن قَتَلَ
مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) [النساء:92] فإنّ تقييد القتل بالخطأ في إيجاب الكفارة يدل على أن إيجابها في العمد أولى.

(ب) مفهوم المخالفة: دلالة اللفظ على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه لانتفاء قيد من القيود المعتبرة، وهو أنواع:

(1) مفهوم الصفة، وهو دلالة اللفظ المقيد الحكم بوصف على ثبوت نقيض حكمه للمسكوت عنه الذي انتفى عنه ذلك الوصف، في مثل قوله صلى الله عليه وسلم (في سائمة الغنم زكاة)، فالحكم المستفاد عن طريق المخالفة: أن غير السائمة لا زكاة فيها.

(2) مفهوم الشرط، وهو دلالة اللفظ المقيد الحكم فيه بشرط على ثبوت نقيض حكمه للمسكوت عنه الذي انتفى عنه ذلك الشرط، في مثل قوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق:6]، فالحكم المستفاد عن طريق المخالفة أن المطلقة غير الحامل لا نفقة لها.

3) مفهوم الغاية، وهو دلالة اللفظ المقيد الحكم فيه بغاية على ثبوت نقيض حكمه للمسكوت عنه بعد تلك الغاية. والغاية إما زمانية، في مثل قوله تعالى: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة:187]، الذي يفيد بالمخالفة أنه لا يجوز الأكل والشرب في رمضان بعد الفجر،

أو غاية مكانية في مثل قوله تعالى: (فاغْسِلُواْ
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة:6] الذي يفيد أنه لا يجوز غسل ما وراء المرفق من اليد في الوضوء.

4 - مفهوم العدد وهو دلالة اللفظ المفيد لحكم عنده تقييده بعدد على نقيض فيما العدد نحو قوله تعالى : ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) .

5 - مفهوم اللقب وهو دلالة تعليق الحكم باسم جامد على نفى ذلك الحكم عن غيره .


 


 


 

المراجع

  1. الشيخ محمدالخضروي بك . 1969 م . أصول الفقه . المكتبة التجارية الكبرى ، مصر .

ط 6 .

  1. د. محمد زكى عبدالبر . 1989م . تقنين أصول الفقه . مكتبة دار التراث ، القاهرة .
  2. http://www.islamweb.net/ver2/library/TreeCategory.php?ID=26445